مرت الايام سريعا ففى الثامن عشر من أبريل من العام المنصرم رحلت جدتى مرعام على رحيلها لكن سيظل عالق بالذاكرة هذا التاريخ بالرغم من حالات الزهايمر التى اصابت تواريخ عديدة ربما تكون اقرب من هذا التاريخ .
بالرغم من انها بلغت من الكبر عتيا الا انها حتى لحظة وفاتها كانت كالطفل الصغير فى حبه وتسامحه مع الجميع كانت تنادى احدنا بجميع اسماء الاخوة الصغار او الكبار حتى تصل الى اسمه الحقيقى ومع ذلك كانت تتميز بذاكرة فولاذية .
جدتى كانت بمثابة الام لنا ونحن اطفال وكبار فكانت الحضن الدافىء والقلب الكبير الذى يضمنا ويدافع عنا من بطش الجميع حتى لو كان من الام او الاب كانت حائط صد منيع بالرغم من شقاوتنا واخطائنا المتكررة .
جدتى كزوجة كانت من اخلص النساء طاعة وبرا لزوجها ولا انسى ما قامت به اثناء مرض جدى قبل وفاته وكيف تحملت بجلد وصبر كل التعب والمشاق وكيف لازمته وهو فى فراش المرض ولم تتركه لحظة واحدة وتخرج من البيت طيلة تلك الفترة بالرغم من وجود والدتى وابناء اعمامى وعماتى بجواره وكيف انها رفضت الخروج للتعزية فى وفاة عمها لكى لا تتركه وحده .
جدتى كأم كانت من اروع الامهات واطيبهم وهذه شهادة من عماتى واعمامى من جدى اى شهادة فى حق امراة أبيهم ، فقد نالت الاعجاب من الجميع انجبت ثلاثة من الابناء وبنتين احسنت تربيتهم ورعايتهم فكانوا مضرب المثل فى الاخلاق وحسن التربية زرعت فيهم حب واحترام اخوتهم من ابيهم تعاملت مع الجميع بحب وحنان وتحملت الكثير والكثير .
جدتى كحماة مع الاسف كانت ملاك بمعنى الكلمة لم اراها يوما فى دور الحماة اطلاقا بل على العكس كانت الطرف الاطيب والاكثر تسامحا دائما عاشت مع والدتى اكثر من ثلاثين عام فى منزل واحد كنت اظن ان والدتى الحماة وجدتى ضيفة عندنا كنت ارى ان العلاقة بينهما اقوى من علاقة الام بابنتها وكذلك الحال مع زوجات اعمامى وازواج عماتى كانوا يعشقونها عشق البنت بوالدتها او الابن بامه ،لم اراها قط تنهر او تلوم احد عن شىء بل الاكثر من ذلك ربما يخطىء البعض فى حقها وتجدها هى من تبادر بالصلح أوالتسامح.
جدتى كجدة لنا كانت مثال الطيبة والحنان كانت ملاذنا فى الهروب من عقاب الجميع كانت تمتلك صندوق خشبى قديم به كل انواع الحلوى والعصائر والسكر وكل انواع الفاكهة تستقبلنا بها ونحن صغار .
مرت الايام وكبرنا واصبحنا نسافر كثيرا ونرجع على فترات متباعدة كنا نصل فى اوقات متاخرة من الليل كنا نجدها اول من يستقبلنا على بوابة المنزل بالرغم من كبر سنها كانت تسمع دبة النملة فى جوف الليل كان اخوتى يسهرون لساعات متاخرة خارج المنزل وكنا نغلق عليهم الابواب عقابا لهم ولكن كانت تسمع همساتهم وتستقيظ لتفتح لهم
اصبحنا أباء ولدينا اطفال فكانت تعامل صغارنا بنفس معاملتها لنا فكانوا يحبونها ويطلقون عليها تيتا جدو للتفرقة بينها وبين الام تيتا بابا .
يوم الوفاة اتصل بى اخى الاصغر ليخبرنى بخبر الوفاة كنت غير مصدق فانا منذ سويعات قليلة كنت احدثها هى ووالدى واخبرتها باننى ساحضر بعد يومين ان شاء الله لكى اطمئن عليها بعد الوعكة الصحية التى المت بها
ولكن سبحان الله لكل اجل كتاب توفيت بعد المكالمة بساعتين خرجت من العمل مسرعا وشريط الذكريات يدور براسى ودموع تنهمر فى موقف نادر ما يحدث معى لانى غالبا احبذ اصعب انواع البكاء اللى من غير دموع.
وصلت الى المنزل وجدت اخوتى وجميع الاقارب فى انتظار السفر لكى نلحق بالجنازة ركبنا فى الثامنة مساء ووصلنا الساعة الثانية صباحا وخلال تلك المسافة لم ينقطع سيل من المكالمات الهاتفية لتاجيل الدفن حتى الصباح تارة باستعطاف وتارة اخرى بتهديد ووعيد ، لكن قدر الله وماشاء فعل فكل الابناء والاحفاد من اسوان وحتى اسكندرية حضروا الجنازة وشاركوا فى تشييعها الى مثواها الاخير بكى الكبار قبل الصغار وترحم عليها الجميع ربما رحلت بجسدها ولكن ما زالت بقلوبنا .
مر عام على رحيلها سافرت عدة مرات وفى كل مرة اتخيلها امام البوابة كعادتها او خارجة من غرفتها تلك الغرفة التى لم استطع دخولها حتى الان .!!!